سهيل الحويك - الكويت
19-12-2011
دوري زخّور ... بعد 23 سنة
اختصر لقائي به 23 سنة من نسيان منطقي وضياع مفترَض في مسيرة عمر فرّقت طالبَين في مدرسة الفرير مون لاسال - عين سعادة، قبل أن تحكم عليها الظروف بلقاء لم يكن في البال على أرض الكويت.
هو ... دوري زخّور، برأيي وبرأي كثيرين، أحد أفضل لاعبي كرة القدم الذين مرّوا في مدرسة الفرير.
أنا ... شاهد على تلك الموهبة وزميل لها في منتخب المدرسة نفسها لأكثر من خمس سنوات تحت قيادة المدرب المخضرم طوني جريج.
بقي دوري زخّور ذاك القائد، حتى في حديثه ومقاربته لشؤون اللعبة.
تستنتج من حديثه أسفاً على ضياع فرصة لبروز أكبر وَقعاً كلاعب نتيجة ظروف البلد في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته.
لم يكن لبنان في تلك الحقبة في وارد العمل على تبنّي المواهب ودعمها، لكن حلم دوري بقي مسمّراً على هدف ما.
كان كمن يحفر بأصابع يديه مستقبلاً في "المستطيل الأخضر" في زمن الأرضيات الصخرية الواهية.
كان من السهولة بمكان إيجاد طريق دوري في حال "ضاع" عن الأنظار.
أين له أن يكون؟ في ملعب المدرسة مداعباً تلك "المستديرة" بشغف.
إسأل عن دوري كل من عايشه في تلك المدرسة، إجابة واحدة تفرض نفسها: "دوري يلّي بيلعب فوتبول؟".
تابعتُ مسيرته من بعد. إنتقاله الى صفوف الراسينغ بيروت، ثم غياب، نسيان، فعودة من بوابة منتخب لبنان للـ"فوتسال".
لم يكن مكتوباً له الإبتعاد عن "الملاعب" طويلاً، على رغم وظيفة مصرفية هادئة تليق بشخصه، فقد تحوّل مدرباً لفرق عدة، الى أن تولى دفة قيادة منتخب لبنان للـ"فوتسال"، وخاض دورات صقلت خبرته على هذا الصعيد.
كانت مشاركة منتخب لبنان في التصفيات المؤهلة لنهائيات بطولة آسيا 2012 والتي استضافتها الكويت هذا الشهر، فرصة لنجتمع بعدما مهّد “الفايسبوك" للقاء، معزّزاً بتواصل دوريّ عبر الـ"بلاكبيري"، أين هو من سنوات طويلة فرّقت بين عاشقين للكرة حوّل الزمن أحدهما لاعباً درجة أولى فمدرباً على أعلى مستوى، والآخر صحافياً رياضياً بعيداً من أرض الوطن؟
عدنا بالذاكرة الى ذاك اليوم الذي اقترب فيه دوري مني ليقول: "سهيل، بكرا (غداً) عندك ماتش".
كانت الفرير حينذاك منقسمة بين معسكر ألماني طاغ، ومعسكر برازيلي مدعوم بأقليات أرجنتينية وإيطالية وغيرها.
إحتاج دوري الى لاعب دفاع في "الفريق الألماني". كنت مؤمناً بموهبتي لكني لم أحظَ بفرصة لأبرزها خلال استراحتَي "الساعة العاشرة" و"الساعة الثانية عشرة" من الدوام المدرسي، نظراً الى الكم الهائل من الطلاب الذين دأبوا على احتلال الملعب في شكل يومي في تقسيمة لطالما حلمت بالمشاركة وإن بجزء منها.
شعرت بالمسؤولية. جاءت الفرصة لأقول كلمتي بعد طول انتظار. وعلى رغم أني في الأساس لاعب خط هجوم ضمن صفوف نادي راسينغ جونية حينذاك، إقتنعت بأن لا مجال أمامي سوى القبول بمهمة الدفاع في المواجهة الالمانية - البرازيلية المرتقبة على ملعب الـ"ميني فوتبول" في الفرير وأمام المئات من "المتفرجين".
بذلت جهداً وافراً خلال زمن المباراة الذي امتد نصف ساعة، من أجل ثقة دوري بي وحبي لألمانيا ... وفزنا.
كان دوري زخّور مذهولاً بمردودي، ومنذ تلك اللحظات "التاريخية" في حياة صبي يافع، لم أعد اضطلع بدور المتفرج خلال مباريات "الاستراحتين" بين فصول الدراسة، بل تحوّلت لاعباً أساسياً الى جانب دوري، وتم اختياري عنصراً في منتخب مدرسة الفرير - مون لاسال، ذاك الحلم الذي لطالما حرمني النوم.
عندما التقيت دوري في الكويت قبل أيام، شكرته، وإن متأخراً، على تلك الفرصة التي منحني إياها منذ أكثر من 26 سنة كي أعبّر عن نفسي، بيد أنه لم يفتني تذكيره بواقع أنني اللاعب الوحيد في الفرير الذي توج ثلاث مرات توالياً بلقب الدورة المدرسية السنوية (انتركلاس)، مسجلاً بالتحديد في المباراة النهائية الأخيرة إصابة الفوز لفريق فصلي الدراسي في مرمى الفريق الذي كان دوري يلعب فيه دور الكابتن.
بدا اعتدادي بإنجازي المدرسي خجولاً أمام ما وصل إليه زخّور على مستوى الوطن في مضمار كرة القدم.
كانت "الكويت" مناسبة لاستعادة ذكريات بعيدة، لا شك في أن روحية الفريق الواحد الراسخة منذ أكثر من 23 سنة خيّمت على أجوائها ولعبت دوراً في إعادة إحياء علاقة أصرّ دوري على منحها صفة "العائلية" من اليوم فصاعداً بين زميلين ترعرعا على عشق كرة مستديرة إنتهت بالأول مدرباً ... وبالثاني صحافياً رياضياً.